
كتب:خالدمحمود
القيادة الحقيقية تبدأ بالفعل
الأستاذ محمد عيد سليمان، مدير مدرسة جمال عبد الناصر الابتدائية، لم يكتفِ بالجلوس في مكتبه، بل حمل المطرقة والمسامير، وبدأ في إصلاح المقاعد الخشبية التي تهالكت بفعل الزمن. مشهد المدير وهو ينحني على مقعد مهترئ ليعيده إلى الحياة، لم يكن مجرد صورة عابرة، بل كان درسًا عمليًا في القيادة. هذا التصرف أعاد للأذهان قيمة القدوة الحقيقية، حيث القائد يعمل أولًا، ثم يدعو الآخرين إلى المشاركة، ليصبح العمل الجماعي أكثر إلهامًا وتأثيرًا.


مبادرة جماعية بقيادة ثلاثة مدراء
لم تكن المبادرة فردية، بل تحوّلت إلى ورشة عمل جماعية شارك فيها زملاؤه من مديري المدارس: محمد غريب مدير مدرسة أحمد عرابي الإعدادية، ومحمد عبده مدير مدرسة أبو خليفة الثانوية. اجتمع الثلاثة على هدف واحد: إعادة الروح لمدارس القنطرة غرب، ليس فقط من خلال الإصلاحات، بل عبر بث روح العمل التطوعي والتكاتف بين الجميع.
مشاهد ميدانية غير مألوفة
داخل الفصول والساحات، ارتسمت مشاهد مختلفة: مدير مدرسة يرتدي بدلته الرسمية ويصلح المقاعد بيديه، معلم يمسك بفرشاة الطلاء ليعيد الجدران إلى رونقها، طلاب يساعدون في رفع الأخشاب المكسورة وتنظيف الفصول، وأولياء أمور يحضرون أدوات ومواد للمساهمة في الصيانة. هذه الصور لم تقتصر على الجهد المبذول، بل حملت رسائل إنسانية قوية بأن المدرسة ليست مجرد مكان للتعليم، بل بيت كبير للجميع.
شهادات الأهالي والمجتمع المحلي
أولياء الأمور والمجتمع المحلي عبّروا عن فخرهم بما حدث. قال أحدهم: “لم أرَ مديرًا يحمل أدوات الصيانة بنفسه. الأستاذ محمد سليمان قدّم درسًا عمليًا بأن الإخلاص يقاس بالأفعال لا بالكلمات.” وقال آخر: “هذه المشاهد ستبقى في ذاكرة أبنائنا، لأنها علمتهم أن المسؤولية تبدأ من القائد.”
تحديات لم توقف المبادرة
المبادرة جاءت في وقت يعاني فيه قطاع التعليم من عدة صعوبات: قلة الإمكانيات المتاحة للصيانة، ضغط المناهج والأعمال الإدارية، نقص الدعم الفني والعمالة المتخصصة. لكن كل هذه التحديات لم تمنع المدير وزملاءه من العمل بأيديهم، وتحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز روح التعاون داخل المدرسة.
أثر المبادرة على سلوك الطلاب
الأثر لم يتوقف عند حدود الإصلاحات المادية، بل امتد إلى الجانب التربوي والسلوكي: بدأ الطلاب يشاركون في تنظيف فصولهم بأنفسهم، تعززت لديهم قيمة الانتماء إلى المدرسة، أدركوا أن القائد قدوة، وأن المسؤولية مشتركة بين الجميع، وتحول العمل التطوعي إلى جزء من حياتهم اليومية.
التربية بالقدوة أقوى من المناهج
ما فعله محمد سليمان وزملاؤه أثبت أن التربية بالقدوة أقوى من أي درس في كتاب. عندما يرى التلميذ معلمه ومديره يعملان بأيديهما، يغرس ذلك في داخله احترام قيمة العمل، ويجعله أكثر استعدادًا لتحمّل المسؤولية.
صدى واسع على مواقع التواصل
انتشرت صور ومقاطع من المبادرة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، لتلقى تفاعلًا واسعًا. التعليقات جاءت جميعها مشيدة: البعض اعتبرها نموذجًا يجب تعميمه، وآخرون تمنوا أن تتكرر التجربة في مدارس أخرى. هذا الصدى يعكس أن المجتمع متعطش لرؤية نماذج قيادية حقيقية في الميدان.
رسالة وطنية من داخل المدارس
هذه التجربة تحمل رسالة أبعد من مجرد صيانة مقاعد أو دهان جدران. إنها دعوة لأن يبدأ كل شخص من موقعه في خدمة وطنه. فإذا بادر مدير مدرسة بمثل هذه الخطوة، فما الذي يمنع غيره من أن يقدم إسهامًا بسيطًا في مجاله؟ الوطن لا يبنى بالقرارات وحدها، بل بسواعد أبنائه الذين يؤمنون أن العطاء مسؤولية.
مدارس تتحول إلى بيت كبير
بعد هذه المبادرة، تغيّرت أجواء المدارس الثلاث. لم تعد مجرد فصول جافة مليئة بالمقاعد، بل تحولت إلى بيئة نابضة بالحياة. التلاميذ يكتبون عبارات تحفيزية على الجدران، المعلمون أكثر قربًا من طلابهم، وأولياء الأمور يشعرون أن المدرسة بيتهم الثاني.