كتب:خالد تامر
«تطوير التعليم» يحتفل باستقبال أولى دفعات طلاب معهد الكوزن المصري الياباني بحضور السفير الياباني وشركاء التنمية
في زمن يتسم بتسارع المتغيرات التكنولوجية وتداخل المصالح الاقتصادية، يصبح التعليم ليس مجرد منظومة لتلقين المعارف، بل أداة استراتيجية لإعادة صياغة موازين القوى في المجتمعات. وإذا كان القرن العشرون قد شهد سباق التسلح والفضاء، فإن القرن الحادي والعشرين يشهد سباقًا من نوع آخر: سباق إعداد الكوادر البشرية المؤهلة لسوق عمل ذكي، رقمي، متعدد الأبعاد.
في هذا السياق، لم يكن غريبًا أن نشهد في مصر حدثًا استثنائيًا بحضور شركاء دوليين، يتمثل في إطلاق الدراسة بمعهد الكوزن المصري الياباني تحت رعاية صندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وبحضور السفير الياباني وممثلين عن الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) ومؤسسة مصر الخير وشركة نيسان مصر، في مشهد يعكس كيف يمكن للتعليم أن يكون جسرًا للتعاون الدولي وأداة للتنمية الوطنية.
لن نتناول خبر للاحتفالية، بل نسعى إلى تحليل الحدث بمنهج أكاديمي، وقراءة دلالاته في ضوء سياسات التعليم المقارن، فلسفة الشراكات، واستراتيجيات التنمية البشرية، مع إبراز كيف يمكن لمثل هذا المشروع أن يشكل نقطة انعطاف كبرى في مسار التعليم الفني والتكنولوجي في مصر.
تطوير التعليم بالوزراء: معهد الكوزن خطوة لتوطين التقنية اليابانية في مصر
- التعليم كقوة ناعمة للدول
التجارب الدولية تثبت أن التعليم أحد أهم أدوات القوة الناعمة. اليابان على سبيل المثال، حينما خرجت من أنقاض الحرب العالمية الثانية، لم تراهن على السلاح أو الثروات الطبيعية، بل على الإنسان؛ فاستثمرت في التعليم المهني والتكنولوجي، وابتكرت نموذج “كوزن” (KOSEN) الذي يدمج بين الدراسة النظرية والتدريب العملي داخل المصانع وورش الإنتاج.
- التحدي المصري
مصر بدورها تواجه تحديات معقدة في سوق العمل:
فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات الصناعة.
ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.
اعتماد مفرط على التعليم النظري التقليدي.
من هنا جاءت المبادرة المصرية اليابانية للتعليم، لتكون بمثابة “جسر حضاري” ينقل التجربة اليابانية ويعيد تكييفها بما يلائم الواقع المصري.

بحضور السفير الياباني وشركاء التنمية.. انطلاق الدراسة بمعهد “الكوزن المصري الياباني”:
نظم صندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة مجلس الوزراء احتفالية مهيبة بمناسبة استقبال أولى دفعات طلاب معهد
الكوزن المصري الياباني
الحضور الرسمي:
د. هاني هلال – الأمين العام للمبادرة المصرية اليابانية للتعليم.
السفير الياباني بالقاهرة فوميو إيواي.
د. رشا سعد شرف – الأمين العام لصندوق تطوير التعليم.
يو إيبساوا – الممثل الإقليمي لمكتب جايكا بمصر.
اللواء أ.ح. إيهاب عبد الله – رئيس مصلحة الكفاية الإنتاجية والتدريب المهني.
د. أحمد فهمي بنداري – رئيس معهد الكوزن المصري الياباني.
د. صابر حسن – رئيس قطاع التعليم بمؤسسة مصر الخير.
محمد عبد الصمد – الرئيس التنفيذي لشركة نيسان مصر.
د. جونيشي موري – كبير مستشاري جايكا ونائب مدير المشروع.

كلمات الحفل:
د. رشا شرف أكدت أن المعهد يمثل “خطوة استراتيجية لإعداد كوادر بشرية تلبي احتياجات سوق العمل التكنولوجي”.
السفير الياباني شدد على عمق الشراكة التعليمية بين مصر واليابان، واعتبر المشروع تجسيدًا حيًا لفلسفة “التنمية عبر التعليم”.
ممثل جايكا أوضح أن معهد الكوزن ليس مجرد مؤسسة تعليمية، بل هو منصة لنقل خبرات اليابان وتوطينها محليًا.
ثالثا: التحليل الأكاديمي للحدث
- فلسفة “كوزن” بين النظرية والتطبيق
نظام الكوزن في اليابان يقوم على:
التكامل بين التعليم والتدريب العملي.
المسار الطويل: الطلاب يدرسون خمس سنوات متواصلة بعد الإعدادية.
الارتباط الوثيق بالصناعة: أكثر من 90% من خريجي الكوزن يعملون مباشرة في المصانع والشركات.
تطبيق هذه الفلسفة في مصر يعني إعادة تعريف التعليم الفني، ليصبح مسارًا “نخبويًا” يوازي التعليم الجامعي، لا مجرد بديل اضطراري.
- التعليم كرافعة للتنمية الاقتصادية
دراسات التنمية تؤكد أن كل دولار يُستثمر في التعليم التكنولوجي يعود على الاقتصاد بأضعافه، من خلال:
رفع الإنتاجية.
تقليل معدلات البطالة.
جذب الاستثمارات الأجنبية.
- المقارنة الدولية
كوريا الجنوبية: اعتمدت على التعليم الفني لتصبح قوة صناعية.
ألمانيا: نظام “الأوسبيلدونغ” المزدوج بين التعليم والعمل.
اليابان: الكوزن كنموذج رائد.
رابعًا: الشراكات المتعددة الأطراف
- الحكومة المصرية: تضع التعليم التكنولوجي في قلب استراتيجيات التنمية 2030.
- جايكا: تنقل الخبرات وتوفر التدريب والدعم الفني.
- مؤسسة مصر الخير: شريك في تمويل ودعم الطلاب.
- شركة نيسان مصر: تمثل القطاع الصناعي الذي يستفيد مباشرة من الكوادر.
هذه “الشراكة الرباعية” (حكومة – منظمة دولية – مجتمع مدني – قطاع خاص) تعد نموذجًا فريدًا للحوكمة في إدارة التعليم.
خامسًا: التأثيرات المتوقعة
- على المدى القصير:
توفير فرص تعليمية متقدمة لطلاب الدفعة الأولى.
رفع مستوى التدريب العملي.
- على المدى المتوسط:
سد الفجوة بين التعليم وسوق العمل.
تحسين مؤشرات التوظيف.
- على المدى البعيد:
تغيير صورة التعليم الفني في مصر.
خلق جيل من الكوادر القادرة على قيادة الصناعة الوطنية.
تعزيز التنافسية الاقتصادية لمصر في المنطقة.
من قراءة المشهد أكاديميا
إن استقبال أولى دفعات معهد الكوزن المصري الياباني ليس مجرد حدث بروتوكولي، بل هو إعلان عن تحول هيكلي في فلسفة التعليم المصري. المشروع يعكس إدراك الدولة أن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر تعليم نوعي متقدم، وأن الشراكات الدولية ليست ترفًا بل ضرورة.
ولعل الدرس الأهم هو أن التعليم لا يُصلح بمجرد قرارات إدارية، بل عبر فلسفة ورؤية وإرادة سياسية، وهذا ما تجسد في هذا المشروع الذي يمزج بين الخبرة اليابانية والهوية المصرية.
وأخير وليس أخر : التعليم كجسر حضاري
من قاعات معهد الكوزن المصري الياباني ينطلق اليوم جيل جديد من الطلاب، يحملون على عاتقهم رسالة مزدوجة:
أن يكونوا مهندسي المستقبل في الصناعة والتكنولوجيا.
وأن يجسدوا في حياتهم اليومية معنى التعاون الحضاري بين مصر واليابان.
إن هذا المعهد ليس مجرد مبنى أو دفعة طلابية، بل هو رمز لمرحلة جديدة من التفكير الاستراتيجي في التعليم والتنمية، مرحلة تؤمن أن الاستثمار الحقيقي يبدأ من الإنسان، وأن كل معلم ومهندس وفني هو في الحقيقة “جندي في معركة التنمية”.






