النفط والغاز بين ضغوط السوق وتوقعات المستقبل: تقلبات جديدة تعيد تشكيل المشهد العالمي

كتب:خالد تامر

تراجع الأسعار في ختام أسبوع 12 سبتمبر 2025

شهدت أسواق النفط العالمية تقلبات حادة خلال الأسبوع المنتهي في 12 سبتمبر 2025، حيث تراجعت أسعار الخام بفعل مزيج من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. فقد سجل خام برنت هبوطًا بمقدار 49 سنتًا ليستقر عند 65.88 دولارًا للبرميل، بينما خسر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 51 سنتًا ليغلق عند 61.86 دولارًا للبرميل.
ويرى محللون أن هذا التراجع يعكس ضغوطًا مزدوجة تتمثل في وفرة المعروض العالمي وتباطؤ الطلب، خاصة في السوق الأمريكية التي أظهرت بياناتها الأخيرة ارتفاعًا غير متوقع في المخزونات.

تأثير المخزونات الأمريكية على السوق

أشارت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى ارتفاع المخزونات التجارية من النفط الخام بنحو 3.2 مليون برميل خلال الأسبوع الأول من سبتمبر، وهو ما فاق توقعات المحللين. هذا الارتفاع عزز المخاوف بشأن وفرة المعروض، خصوصًا مع استمرار ضعف الطلب على البنزين في الولايات المتحدة، التي تعد أكبر مستهلك عالمي للطاقة.
ويؤكد خبراء أن هذه البيانات كانت كافية لدفع المستثمرين نحو الحذر، وتقليص مراكزهم الشرائية، وهو ما انعكس سريعًا على منحنى الأسعار.

أوبك+ وسياسة الحذر

في 9 سبتمبر 2025، أعلن تحالف أوبك+ عن قرار يقضي بزيادة الإنتاج بنحو 137 ألف برميل يوميًا فقط اعتبارًا من أكتوبر المقبل. ورغم أن الأسواق كانت تتوقع زيادات أكبر، فإن الخطوة جاءت لتعكس نهجًا أكثر تحفظًا من جانب المنظمة وحلفائها، في محاولة لتحقيق توازن بين دعم الأسعار ومنع حدوث صدمة عرضية قد تضر بالاقتصاد العالمي.
ويرى محللون أن هذه الزيادة المحدودة هي بمثابة إشارة واضحة إلى أن التحالف يفضل تجنب أي تقلبات كبيرة، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية القائمة.

وكالة الطاقة الدولية وتوقعات الطلب

بالمقابل، أبقت وكالة الطاقة الدولية على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط عند 700 ألف برميل يوميًا لعامي 2025 و2026. وأوضحت الوكالة أن نمو الاقتصاد الصيني والهندي سيظل المحرك الأساسي للطلب، بينما تتراجع معدلات الاستهلاك في أوروبا وأمريكا الشمالية بفعل التوجه المتزايد نحو الطاقة النظيفة.
كما أكدت الوكالة أن التحولات نحو السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة ستحد تدريجيًا من نمو الطلب على الوقود الأحفوري، لكن النفط سيظل يلعب دورًا محوريًا في مزيج الطاقة العالمي على المدى المتوسط.

شل وتحديات التحول الطاقوي

على صعيد الشركات الكبرى، أعلنت شركة شل هذا الأسبوع عن التزامها بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 15% إضافية بحلول 2030. ويأتي هذا القرار في وقت تواجه فيه الشركة ضغوطًا متزايدة من المستثمرين والمنظمات البيئية لتسريع خطواتها نحو التحول الطاقوي.
وفي المقابل، حذرت شل من أن التحول السريع بعيدًا عن النفط والغاز قد يؤدي إلى تقلبات أكبر في السوق، مؤكدة أنها ستواصل الاستثمار في مشاريع الغاز الطبيعي المسال لتلبية الطلب المتنامي في آسيا.

أرامكو السعودية بين الاستقرار والتوسع

من جانبها، أعلنت شركة أرامكو السعودية عن خطط جديدة لتعزيز استثماراتها في قطاع البتروكيماويات، حيث وقعت في 10 سبتمبر 2025 عدة اتفاقيات مع شركاء آسيويين لتطوير مشاريع مشتركة تهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية من المواد الكيماوية بنسبة 20% بحلول 2030.
وتسعى أرامكو من خلال هذه الخطوة إلى تقليل اعتمادها على صادرات النفط الخام، وتنويع مصادر إيراداتها، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي تركز على تنويع الاقتصاد.

بي بي واستراتيجية التحول الخضراء

أما شركة بي بي البريطانية فقد أكدت في تقريرها الصادر في 11 سبتمبر 2025 أنها ماضية في خططها للتحول نحو الطاقة المتجددة، رغم الضغوط المالية التي تواجهها جراء انخفاض أسعار النفط.
وأشار التقرير إلى أن بي بي تستهدف استثمار ما يزيد على 15 مليار دولار في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح البحرية خلال السنوات الخمس المقبلة، مع توقعات بأن تشكل مصادر الطاقة النظيفة نحو 40% من محفظتها الاستثمارية بحلول 2035.

توتال إنرجيز وتوسيع استثمارات الغاز

شركة توتال إنرجيز الفرنسية بدورها أعلنت عن توقيع عقود جديدة في إفريقيا لتطوير حقول الغاز الطبيعي المسال، في خطوة تهدف لتعزيز مكانتها كأحد أبرز اللاعبين في هذا القطاع عالميًا.
وأكدت الشركة في بيان بتاريخ 9 سبتمبر 2025 أن استثماراتها الجديدة تركز على دول غرب إفريقيا، حيث ترى فرصًا واعدة لتلبية الطلب الأوروبي المتزايد على الغاز في ظل استمرار أزمة الإمدادات المرتبطة بالحرب الأوكرانية.

إكسون موبيل ورهان الولايات المتحدة على النفط الصخري

أما شركة إكسون موبيل الأمريكية فقد كشفت عن خطط لتوسيع استثماراتها في مجال النفط الصخري داخل الولايات المتحدة، معلنة عن ضخ استثمارات إضافية بقيمة 7 مليارات دولار في حوض بيرميان.
وأكدت الشركة في 12 سبتمبر 2025 أن هذه الخطوة تأتي استجابة لزيادة الطلب المحلي على الطاقة، ومحاولة لتعويض أي نقص محتمل في الإمدادات العالمية نتيجة التوترات الجيوسياسية.

التوترات الجيوسياسية والحرب الأوكرانية

لا تزال الحرب في أوكرانيا تشكل عامل ضغط أساسي على أسواق الطاقة. ففي الأسبوع الجاري، أعلنت السلطات الروسية عن تقليص صادرات الغاز إلى أوروبا بنسبة 10% إضافية لأسباب فنية، بينما اعتبر الاتحاد الأوروبي الخطوة ذات أبعاد سياسية.
وقد انعكس ذلك على أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، التي ارتفعت بنحو 6% خلال أسبوع 12 سبتمبر 2025، مما يزيد من أعباء التضخم على الاقتصادات الأوروبية.

آسيا والطلب المتزايد على الغاز

في المقابل، واصلت دول آسيا، وخاصة الصين والهند، زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال. وأظهرت بيانات صدرت في 10 سبتمبر 2025 أن واردات الصين ارتفعت بنسبة 12% على أساس سنوي، مدفوعة بارتفاع الطلب الصناعي.
وتشير التوقعات إلى أن آسيا ستظل السوق الأكثر حيوية لشركات الغاز العالمية خلال العقد المقبل، مع انتقال العديد من الاقتصادات إلى الغاز كبديل أنظف من الفحم.

الاقتصاد العالمي بين الركود والتعافي

على صعيد الاقتصاد الكلي، أظهرت بيانات صندوق النقد الدولي أن النمو العالمي قد يتباطأ إلى 2.7% في 2025 مقارنة بـ 3% في 2024، بفعل الضغوط التضخمية وتشديد السياسات النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويرى محللون أن استمرار أسعار الطاقة عند مستويات مرتفعة سيؤثر سلبًا على وتيرة التعافي، فيما قد يؤدي أي هبوط حاد في الأسعار إلى تقليص استثمارات الشركات النفطية الكبرى، وبالتالي زيادة مخاطر نقص الإمدادات مستقبلًا.

الطاقة المتجددة تدخل المعادلة بقوة

رغم التحديات التي تواجهها أسواق النفط والغاز، فإن الطاقة المتجددة تواصل تعزيز مكانتها. فقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) في 11 سبتمبر 2025 أن استثمارات الطاقة النظيفة سجلت مستوى قياسيًا بلغ 1.3 تريليون دولار في العام الجاري، ما يعكس تحولًا هيكليًا في مزيج الطاقة العالمي.
ومع ذلك، يبقى النفط والغاز عنصرين أساسيين في تلبية احتياجات السوق خلال المرحلة الانتقالية المقبلة.

مستقبل أسواق النفط والغاز

في ضوء كل هذه التطورات، يتوقع خبراء الطاقة أن تظل أسواق النفط والغاز رهينة التوازن الهش بين العرض والطلب، مع استمرار التأثير القوي للعوامل الجيوسياسية.
ويؤكد محللون أن الأسعار قد تبقى في نطاق 60-70 دولارًا للبرميل خلال الأشهر المقبلة، ما لم تحدث تطورات مفاجئة سواء من جانب أوبك+ أو نتيجة أزمات جديدة.

Related Posts

مدير يصلح المقاعد بيديه.. ملحمة صيانة يقودها محمد عيد في مدارس القنطرة غرب

كتب:خالدمحمود القيادة الحقيقية تبدأ بالفعل الأستاذ محمد عيد سليمان، مدير مدرسة جمال عبد الناصر الابتدائية، لم يكتفِ بالجلوس في مكتبه، بل حمل المطرقة والمسامير، وبدأ في إصلاح المقاعد الخشبية التي…

20 حكمة نفسية تغيّر نظرتك للحياة.. المفتاح لفهم الذات وسر السعادة الداخلية

كتب: خالد تامر في عالم تتسارع فيه الأحداث، وتتصاعد فيه الضغوط الاجتماعية والنفسية، يبقى الإنسان في رحلة بحث دائمة عن التوازن الداخلي والمعنى الحقيقي للسعادة. لا يقتصر علم النفس على…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You Missed

مدير يصلح المقاعد بيديه.. ملحمة صيانة يقودها محمد عيد في مدارس القنطرة غرب

مدير يصلح المقاعد بيديه.. ملحمة صيانة يقودها محمد عيد في مدارس القنطرة غرب

20 حكمة نفسية تغيّر نظرتك للحياة.. المفتاح لفهم الذات وسر السعادة الداخلية

20 حكمة نفسية تغيّر نظرتك للحياة.. المفتاح لفهم الذات وسر السعادة الداخلية

موعد بدء الدراسة بالمدارس والجامعات 2025 / 2026: التفاصيل الكاملة

موعد بدء الدراسة بالمدارس والجامعات 2025 / 2026: التفاصيل الكاملة

سكك حديد مصر تنظم ندوة توعوية بالسويس: مسؤولية مشتركة لحماية المرفق الحيوي وتغيير السلوكيات السلبية

سكك حديد مصر تنظم ندوة توعوية بالسويس: مسؤولية مشتركة لحماية المرفق الحيوي وتغيير السلوكيات السلبية

القطاع العقاري المصري يواصل النمو.. تأسيس 2,856 شركة جديدة في التشييد والبناء خلال 2024 بزيادة 20% عن العام الماضي

القطاع العقاري المصري يواصل النمو.. تأسيس 2,856 شركة جديدة في التشييد والبناء خلال 2024 بزيادة 20% عن العام الماضي

إعادة إحياء “جيت بيتش”: شراكة استراتيجية بين “إيجوث” و”بتروجت” برعاية وزيري قطاع الأعمال والبترول لدعم التنمية السياحية في العين السخنة

إعادة إحياء “جيت بيتش”: شراكة استراتيجية بين “إيجوث” و”بتروجت” برعاية وزيري قطاع الأعمال والبترول لدعم التنمية السياحية في العين السخنة